تجاوز المحتوى

هل ينتصر الذكاء الاصطناعي في حربه ضد الأخبار الزائفة؟

زاهر هاشم*

تحاول الأخبار الزائفة التلاعب بالأشخاص ودفعهم إلى تصديق الأكاذيب، وذلك لأسباب تتراوح من مجرد زيادة عدد النقرات، وزيادة نسبة الوصول والمشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي، وصولاً إلى أسباب سياسية مثل التأثير على الانتخابات أو توجيه الرأي العام.

وقد ساعد انتشار وسائل الاتصال الحديثة، والتطور الكبير في سرعة نقل الأخبار والمعلومات وظهور منصات التواصل الاجتماعي، على تنامي ظاهرة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة، ولكن وعلى الرغم من أن التكنولوجيا الحديثة قد عززت انتشار هذه الظاهرة، إلا أنها تقاوم وباستراتيجيات جديدة للتغلب عليها ووضع حد لها.

ويتجه الباحثون لتطوير تقنيات جديدة لمحاربة الأخبار الزائفة والكشف عنها، اعتمادًا على قوة الذكاء الاصطناعي، حيث أصبح من الصعب في كثير من الأحيان التمييز بوضوح بين المعلومات الحقيقية والكاذبة، من خلال الاعتماد على العامل البشري فقط، لكن بالمقابل هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد حقًا، أم أنه سيزيد الأمر سوءًا؟

البشر جزء من المشكلة

يرى  تشارلز تاورز كلارك الباحث في تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي، في مقال منشور في مجلة فوربس، أن المشكلة المركزية في الأخبار الزائفة ليست أن قليلاً من الناس يقومون بإنشائها، بل أن الكثير منهم يتأثرون بها.

يميل الناس إلى تصديق ما يريدون تصديقه، إن الرغبة في تصديق المعلومات المثيرة هي ظاهرة حقيقية ولا يؤدي فضح المعلومات الكاذبة إلى تغيير أفكار الناس دائمًا.

وأظهرت دراسة قام بها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في شهر مارس من هذا العام أن الأخبار الحقيقية تحتاج إلى ستة أضعاف الوقت للوصول إلى مستخدمي تويتر مقارنة بالأخبار الكاذبة، وأن الأخبار الكاذبة كان احتمال إعادة تغريدها بنسبة 70٪ أكثر من الحقيقة. وبالتالي، يتفاقم انتشار الأخبار الكاذبة من قبل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.

التحدي الحقيقي إذن لا يتمثل في تحديد وفضح الأخبار الزائفة، بل في فهم سبب انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أسرع من الأخبار الحقيقية بكثير، وبالفعل فإن معظم الباحثين يقومون بتدريب الذكاء الاصطناعي على أشياء مثل التمييز بين أنماط الانتشار الطبيعية والمؤتمتة من خلال الشبكات الاجتماعية.

الذكاء الاصطناعي يكذب!

من الطرق التي يخطط لها خبراء التكنولوجيا لصقل مهارات الذكاء الاصطناعي، هي السماح له بتوليد أخبار كاذبة، فقد قام معهد “ألين” (Allen) للذكاء الاصطناعي بجامعة واشنطن، بتطوير وإصدار نموذج “جروفر” (Grover) المصمم لإنشاء قصص زائفة حول مجموعة واسعة من الموضوعات.

وعلى الرغم من أن الأمر قد يبدو ذا نتائج عكسية في البداية، إلا أنه في الحقيقة تكتيك يهدف إلى تدريب الذكاء الاصطناعي، حيث تقوم إحدى الآلات بتحليل مخرجات النظام، وبهذه الطريقة يمكن رفع قدرة التحليلات بشكل أكبر وأكثر كفاءة من الاعتماد على الأخبار الزائفة الفعلية. ويدّعي المعهد أن النظام يمكنه العمل بدقة تصل إلى 92%.

ومن المهم الإشارة إلى أن الخبراء الذين اختبروا النظام شعروا بالقلق تجاه خروجه عن السيطرة وإمكانية خلق أكاذيب يمكن تصديقها، وحتى محاكاة أساليب الكتابة المتبعة في منافذ الأخبار الرسمية والمعتمدة.

محاربة الزيف العميق

شكّل ظهور ما يسمى “الزيف العميق” (Deep Fake) الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي لمعالجة محتوى الفيديو، تحديًا كبيرًا أمام الباحثين، وبينما يسارع العلماء إلى إيجاد حلول حول كيفية محاربة الزيف العميق، يواصل آخرون في الوقت نفسه تحسين التقنيات لأغراض أقل خطورة، مثل معالجة محتوى الفيديو لتطوير صناعة الأفلام السينمائية.

واقترح باحثون في كلية الهندسة بجامعة نيويورك زرع نوع من “العلامات المائية” الرقمية يمكنها اكتشاف الصور ومقاطع الفيديو التي يتم التلاعب بها، وذلك من خلال تضمين النظام في الكاميرات الرقمية، خصوصًا أن العديد من كاميرات الهواتف الذكية والأجهزة الرقمية الأخرى تستخدم بالفعل تقنيات الذكاء الاصطناعي لزيادة جودة الصورة وإجراء تصحيحات عليها.

يقول مؤلف الدراسة أن منصة النموذج الأولي تزيد من فرص اكتشاف التلاعب من حوالي 45% إلى أكثر من 90% دون التضحية بجودة الصورة.

من ناحية أخرى، استخدم باحثون في جامعة كارنيجي ميلون الأمريكية مؤخرًا أسلوبًا لتحويل كميات كبيرة من محتوى الفيديو إلى شكل آخر، ويرى فريق البحث أن هذه الطريقة يمكن أن تكون نعمة لصناع السينما، على الرغم من أنها يمكن أن تستخدم لتطوير الزيف العميق.

حرب طويلة ومستمرة

يخوض الأكاديميون والمنظمات غير الربحية وصناع التكنولوجيا حربًا طويلةً ضد الأخبار الزائفة، وهناك العديد من الأدوات اللغوية التي تم تطبيقها لاكتشافها، من خلال التركيز على الإشارات اللغوية مثل التركيب النحوي واختيار الكلمات وعلامات الترقيم، على سبيل المثال تميل الأخبار الكاذبة إلى استخدام عبارات المبالغة مثل “الساحقة” أو “الهائلة” أو “الخارقة”.

وبينما يتم إحراز تقدم حقيقي ضد الأخبار الزائفة، فإن تحديات استخدام الذكاء الاصطناعي لاكتشاف وتصحيح المعلومات الخاطئة كبيرة.

إحدى أكثر الطرق شيوعًا لنشر الأخبار الزائفة هي استخدام أعداد كبيرة من برامج الروبوت على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يمكنها مشاركة عدد لا يحصى من مرات النشر أو التعليق على هذه الأخبار، ما يؤدي إلى زيادة الانطباعات الإيجابية حول المحتوى، والوصول السريع إلى أعداد كبيرة من الأشخاص من خلال استغلال نفس القواعد التي تستند عليها معظم منصات التواصل الاجتماعي.

وبالتالي يعدّ إيقاف هذه البرامج أحد أكثر الطرق شيوعًا وفعاليةً لكبح “وباء” الزيف، ولكن يبقى السؤال هنا كيف يمكن التعرف على الروبوت وتمييز الفرق بين البشر والآلات؟

ضمن هذا السياق قامت “فيسبوك” مؤخراً بتطوير تقنية خاصة لمكافحة الروبوتات، باستخدام بعض أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة لتحديد الحسابات المزيفة والأخبار الكاذبة، والأخبار التي تهدف للربح فقط.

هناك طريقة أخرى لاستئصال المشكلة وهي التعامل مع محتوى الأخبار الزائفة بحد ذاتها، وعلى الرغم من المحاولات المختلفة في هذا المجال، فقد فشل الذكاء الاصطناعي حتى الآن على عدة مستويات، حيث لم يستطع فهم الكتابة البشرية بالطريقة التي يفهمها البشر، فمن الناحية النظرية يتم تعليم الآلة اكتشاف “موقف” المقالة من خلال النبرة والأسلوب المستخدم في كتابة القصة، وتحديد ما إذا كانت  المعلومات غير دقيقة أو خاطئة بشكل صارخ، وهنا ستقوم منظومة الذكاء الاصطناعي بإجراء تحليل عميق للمحتوى، ورابط المقال، وهيكل العنوان، بالإضافة إلى موقع الويب الذي نشر الأخبار، وحركة المرور على الإنترنت، وحسابات الشبكات الاجتماعية، والمشاركة الشاملة على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن التجارب بينت نتائج غير مشجعة، حيث حققت نسبة نجاح بلغت حوالي 65% ولا يزال هناك حاجة إلى البشر للمساعدة في تحسين النتائج والتحقق من صحتها، وبالتالي فإن هذا النظام لا يزال في مهده.

لكن، وعلى الرغم من أن تقنيات الذكاء الاصطناعي، وغيرها من الأدوات، يمكن أن تساعد على الحد من الانتشار المتزايد للقصص الزائفة والمعلومات المضللة التي نتعرض لها، إلا أن مسئولية كبيرة تقع على عاتقنا في النهاية، من خلال قضاء ثوان قليلة في التدقيق والبحث بعناية عن مصادر المعلومات والأخبار التي تقع عليها أعيننا.

ربما لم يتمكن الذكاء الاصطناعي حتى الآن من اكتشاف الأخبار الزائفة من تلقاء نفسه تماماً، لكنه بالتأكيد سيساعدنا على أن نكون أكثر ذكاءً فيما نقرأه على مواقع الانترنت والشبكات الاجتماعية.

—-

* إعلامي سوري متخصص في الإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي.

منشور في عدد أكتوبر 2019 مجلة لغة العصر

الذكاء الاصناعي والأخبار الكاذبة
Published inانترنترقميات

كن أول من ‫يعلق على المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.