تجاوز المحتوى

المنتديات الإلكترونية، احتضان للمبدعين أم تخريج للمهرجين؟!

بأسمائهم الصريحة أو المستعارة، دخلوا عوالم الشبكة العالمية وأبحروا فيها يتنقلون بين جزرها، ليستقر معظمهم في عالم المنتديات الإلكترونية، حيث وجدوا فيها ساحة نقاش مباشر حر وجريء، وملتقى حواري يعوض عن النقص الكبير في وجود منتديات اجتماعية وثقافية وفكرية على أرض الواقع، يناقش فيها الشباب خاصة همومهم ومشاكلهم ويتبادلون خبراتهم دون حواجز زمانية أو مكانية، بعيداً عن أعين الرقيب.

فالمنتديات الإلكترونية هي نوع من برمجيات الويب التفاعلية التي يستطيع الكاتب من خلالها أن يرسل مقالاته ليتمكن الآخرون من قراءة هذه المقالات ومناقشتها والرد عليها.

وتختلف سياسة هذه المنتديات باختلاف محتوياتها وملكيتها وتوجه أصحابها، لكن الخطوط العريضة لهذه المنتديات تتمثل بوجود مشرف عام يكون غالباً هو صاحب الموقع، يعاونه كادر من الأعضاء المشرفين الذين يمتلكون خصائص إضافية في عضويتهم تمكنهم من التحكم بمواضيع الآخرين من حيث حذفها أو تعديلها حسب سياسة المنتدى وقوانينه.

وينظر البعض إلى هذه المنتديات على أنها ملتقيات ثقافية وعلمية وفكرية وفرت للكثيرين إمكانية الكتابة والإبداع في مجال الشعر والنثر وكتابة الخواطر، خصوصاً في ظل قصور وسائل الإعلام المطبوعة عن احتضان هذه الإبداعات، إضافة إلى صعوبة النشر وارتفاع كلفة طباعة المؤلفات وعزوف الكثيرين عن قراءة الكتب والمطبوعات الدورية.

كما وفرت هذه المنتديات محتوى إلكتروني ضخم وخاصة في مجال الدروس التعليمية وتبادل الخبرات وتوفير مكتبات ضخمة من الكتب الإلكترونية والبرامج والموسيقى، إضافة إلى إمكانية الكتابة بحرية وبأسماء مستعارة يجعل معظم هؤلاء الكتّاب بعيدين عن أعين الرقباء، وتبعات الكتابة.
أما المرأة فقد وجدت في هذه المنتديات فسحة واسعة للتعبير والكتابة، خصوصاً في المجتمعات المحافظة حيث لا تتمتع بقدر كبير من الحرية يمكنها من بناء علاقات حقيقية لا افتراضية، إضافة إلى أن الأسماء المستعارة تشكل ملاذاً آمناً لها في التحدث بحرية دون حواجز ودون خشية.

من جهة أخرى يؤخذ على هذه المنتديات وجود قدر كبير من عدم الجديّة، والسطحية في الطرح والنقاش، واعتماد معظمها على المواضيع المنقولة والنكت المتبادلة عبر البريد الإلكتروني ورسائل الجوال، وافتقارها إلى المصداقية خصوصاً في المواضيع ذات الطابع العلمي، وتفشي السرقات الأدبية وانتهاك حقوق النشر فيها، حيث لا يوجد رقيب على شخص افتراضي يتخفى وراء اسم مستعار.
فالدجاجة التي عبرت الطريق ستصادفها في أي منتدى إلكتروني عربي تدخل إليه، ولعبة قمر 14 أصبحت اللعبة المفضلة في جميع المنتديات، أما نكت التحشيش والنملة التي تزوجت الفيل والبيضة التي وقعت من الطابق العاشر فهي مواد دسمة تزين هذه المنتديات دون استثناء.

وبخلاف المنتديات المتخصصة في الآداب أو العلوم أو الرياضة وغير ذلك، فإن مواضيع الدردشة والفرفشة والضحك تشكل عصب المنتديات العامة وتحظى هذه المواضيع بتفاعل كبير من قبل الأعضاء سواء بالقراءة أو بالمشاركة في رد، فيما تبقى معظم المواضيع الجادة لفترات طويلة تنتظر من يقرأ محتوياتها بعمق ويعبر عن رأيه فيها.

أخيراً أرى أن هذه المنتديات الإلكترونية يمكن أن تشكل فيما لو استثمرت بشكل صحيح بيئة لنمو إبداعات شبابية كبيرة في مجال الأدب والفن والعلم والمجتمع، إضافة إلى دورها في بناء علاقات اجتماعية جديدة تخترق الحدود بين الدول والشعوب، لكنها كظاهرة جديدة على الواقع العربي أصبحت للأسف مصانعاً لتخريج المهرجين وأماكن لإفراغ طاقات غير موجهة تعكس بشكل واضح ضعفاً في الواقع التعليمي والثقافي الذي تعاني منه منطقتنا العربية.

زاهر هاشم

8/5/2007

Published inانترنت

كن أول من ‫يعلق على المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.